أهمية مصر ومكانتها
بعد حمد الله والصلاة والسلام على رسول الله ،اللهم صلى وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.
ونحن نعيش في أجواء الثورة المصرية التي غيرت وجه التاريخ المصري والعالمي ،كان لابد لنا أن نتحدث عن أهمية مصر ومكانتها بين دول العالم العربي والإسلامي والعالمي ،ولكن عن أي شيء نتحدث عن مصر؟ عن موقعها أم أزهرها وعلمائها أو شعبها أم أرضها أم تاريخها أم جوها ومائها ونيلها ...
معذرة يا مصر يا أرض الأزهر الرضاء ويا أرض البطولة والفداء ويا أرض العبقرية والأذكياء!إن لم أعطيك حقك في هذه الكلمات.
فأي جامعة في الدنيا تحمل ثقافةً ليس فيها مصر ؟ وأي مؤسسه علمية في المعمورة ليس فيها مصر ؟ وأي مسار ثقافي لم يشارك فيه المصريون بعقولهم وأبصارهم وبصائرهم؟ فقد أنزلت سفينة الفضاء الأمريكية على سطح القمر بقدرة الواحد الأحد ثم بعقل مصري.
مصر التي ذكرت في الكتب السماوية:
فقد قيل أنها ذكرت في العهدين القديم والجديد 698مرة،ومن ذلك ما روى عن كعب الأحبار قال:"مصر بلد معافاة من الفتن من أرادها بسوء كبه الله على وجهه".
وذكرت في القرآن الكريم:قال الكندي: فمن فضائل مصر أن الله عز وجل ذكرها في كتابه العزيز في أربعة وعشرين موضعاً؛ منها ما هو بصريح اللفظ، ومنها ما د دلت عليه القرائن والتفاسير.
من ذلك قوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }[يونس : 87]،{ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ ..}،[يوسف : 21] {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ }[يوسف : 99]،{ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }[الزخرف : 51]،{وَطُورِ سِينِينَ} [التين : 2]
دعاء الأنبياء لمصر وأهلها:
رسول الله -- صلى الله عليه وسلم - :
لما كتب النبي- صلى الله عليه وسلم - إلى المقوقس صاحب مصر فأجابه عن كتابه جواباً جميلا، وأهدى إليه ثياباً وكراعاً وجارتين من القبط؛ مارية وأختها وأهدى إليه عسلا فقبل هديته، وتسرى مارية، فأولدها ابنة إبراهيم، وأهدى أختها لحسان ابن ثابت فأولدها عبد الرحمن بن حسان،وسأل عليه - صلى الله عليه وسلم - عن العسل الذي أهدى إليه، فقال من أين هذا؟ فقيل له من قرية بمصر يقال لها بنها، فقال: " اللهم بارك في بنها وفي عسلها " .
نوح عليه السلام:
وروى عن عبد الله بن عباس أنه قال: دعا نوح عليه السلام ربه، لولده وولد ولده: مصر بن بيصر بن حام بن نوح، وبه سميت مصر، وهو أبو القيط فقال: اللهم بارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أم البلاد وغوث العباد، ونهرها أفضل أنهار الدنيا واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الروض، وذللها لهم، وقوهم عليها.
وصاية النبى –صلى الله عليه وسلم-:
عن عبد الله بن يزيد وعمرو بن حريث وغيرهما رضي الله عنهم، قالوا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنكم ستقدمون على قوم جعدة رءوسهم فاستوصوا بهم خيرًا؟ فإنهم قوة لكم، وبلاغ إلى عدوكم بإذن الله ". (1)
وكان بها صفوت خلق الله:
فكان بمصر من الأنبياء:إبراهيم الخليل، ويعقوب، ويوسف. واثنا عشر نبياً من ولد يعقوب وهم الأسباط وموسى وهارون ويوشع بن نون، وعيسى بن مريم، ودانيال، عليهم الصلاة والسلام.
ومن الصحابة:الزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وكان أمير القوم، وعبد الله بن عمرو، وخارجة ابن حذافة العدوي، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وقيس بن أبي العاص السهمي، والمقداد بن الأسود، وعبد الله بن أبي سعد بن أبي سرح العامري، ، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، هبيب بن معقل...
و من الفقهاء والعلماء:منهم: فالشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة ،ومحمد بن إسماعيل بن علية، والشافعي، وحفص الفرد وإبراهيم بن أدهم، ومنصور بن عمار المتكلم. يزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد، و عبد الله بن ،وعبد الله بن لهيعة، و أشهب، وابن القاسم وعبد الله بن عبد الحكم، وأسد بن موسى، ومحمد بن عبد الحكم، والمزنى، والربيع ، وأحمد بن سلامة الطحاوي،وشيخ الإسلام البلقينى ،وابن حجر العسقلانى...
و من الزهاد: حيوة بن شريح، وسليم بن عتر، وسليمان بن القاسم، وأبو الربيع الزبدي، وسعيد الأدم، وإدريس الخولاني وذو النون المصري وغيرهم...
ودخلها من الخلفاء:معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، عمر بن عبد العزيز، وجعفر المتوكل على الله ومروان بن محمد، والسفاح، والمنصور، والمأمون، والمعتصم، والواثق...(2)
صلى النبي -صلى الله عليه وسلم – بها في رحلة الإسراء:
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" أتيت بدابة فوق الحمار ودون البغل خطوها عند منتهى طرفها فركبت ومعى جبريل -عليه السلام - فسرت فقال انزل فصل . ففعلت فقال أتدرى أين صليت؟ صليت بطيبة وإليها المهاجر ،ثم قال انزل فصل . فصليت فقال أتدرى أين صليت؟ صليت بطور سيناء حيث كلم الله عز وجل موسى عليه ".(3)
وقد أوصى النبى صلى الله عليه وسلم بأهلها :
عن أبي ذر- رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط؛ فاستوصوا بأهلها خيراً، فإن لهم ذمة ورحما " . (4)
وعن أم سلمة –رضى الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أوصى عند وفاته، فقال: " الله الله في قبط مصر؛ فإنكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدة وأعواناً في سبيل الله " . (5)
فأما الرحم، فإن هاجر أم إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام من القبط من قرية نحو الفرما يقال لها: أم العرب.
وأما الذمة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم، تسرى من القبط مارية أم إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي من قرية فى الصعيد ،فصارت العرب كافة من مصر، بأمهم هاجر؛ لأنها أم إسماعيل صلى الله عليه وسلم، وهو أبو العرب.
نهرها النيل من أنهار الجنة:
عن أبى هريرة - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة".(6)
وهى خزائن الله في الأرض:
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قال:إن مصر خزائن الأرضين كلها وسلطانها سلطان الأرضين كلها ألا ترى إلى قول يوسف عليه السلام لملك مصر: { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ }[يوسف : 55]، ففعل فأغاث الله الناس بمصر وخزائنها. (7)
موقف مصر في عام الرمادة:فقد أصاب المسلمين في عهد عمر -رضي الله عنه- قحطٌ أكل الأخضر واليابس (عام الرمادة) وقال عمر : " والله لا آكل سمناً ولا سميناً حتى يكشف الله الغمة عن المسلمين " وبقى مهموماً هماً يتأوه منه ليلاً ونهاراً، نزل الأعراب حوله بالمدينة المنورة بخيامهم، كان يبكي على المنبر عام الرمادة، وينظر إلى الأطفال وهم يتضورون جوعاً أمامه، وود أن جسمه خبزاً يقدمه للأطفال ،وأخذ يقول:" يا ليت أم عمر لم تلد عمر يا ليتني ما عرفت الحياة آه يا عمر كم قتلت من أطفال المسلمين .
ثم تذكر عمر أن له في مصر إخواناً في الله، وأن مصر بلداً معطاءً، سوف يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ إخوانهم، وكان والي مصر عمرو بن العاص ، كتب له عمر رسالة، وهذا نصها:بسم الله الرحمن الرحيم، من عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، إلى عمرو بن العاص أمَّا بَعْد: فوا غوثاه واغوثاه والسلام.
وأخذها عمرو بن العاص – رضي الله عنه - وجمع المصريين ليقرأ الرسالة المحترقة الملتهبة الباكية المؤثرة أمامهم؛ ولما قرأها عمرو ؛ فأجاب مباشرةوقال:"لا جرم! والله لأرسلن لك قافلة من الطعام أولها عندك في المدينة وآخرها عندي في مصر " وجاد المصريون بأموالهم كما يجود الصادقون مع ربهم، وبذلوا الطعام، وحملوا الجمال وذهبت القافلة تزحف كالسيل، وتسير كالليل، تحمل النماء والحياة والخير والزرق والعطاء لعاصمة الإسلام.
وهى من أكناف بيت المقدس وحفظته :
فعن أبى أمامة- رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء وهم كالإناء بين الأكلة حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله وأين هم قال بيت المقدس وأكناف بيت المقدس ".(
جهادها عبر التاريخ :
من وقت أن فتحت مصر وأصبحت قلعة الإسلام الأولى لصد أي عدوان على العالم الإسلامي ،وكيف لا وقد أوصى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بذلك ،فعن عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:" إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا ، فذلك الجند خير أجناد الأرض ، فقال له أبو بكر : ولم يا رسول الله قال : لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة". أخرجه:ابن عبد الحكم فى فتوح مصر ، وابن عساكر ، وفيه لهيعة عن الأسود بن مالك الحميرى عن بحر بن داخر المعافرى ولم أر للأسود ترجمة إلا أن ابن حبان ذكر فى الثقات أنه يروى عن بحر بن داخر ووثق بحرا.
فانظر إلى فتوح أفريقية وجهادهم ضد الصليبين واسترداد بيت المقدس مع جند صلاح الدين فى موقعة حطين ،و جهادهم للتتار وكفاحهم مع قطز،وجهادهم ضد المستعمرين الجدد وجهادها ضد اليهود وانتصارها عليها في حرب 1973م.
فإذا كان كل هذا الخير حازته مصر فليس بعيد عليها أن تكون لها هذه الثورة العظيمة التى غيرت وجه التاريخ.
لذلك نسأل المولى عزوجل أن يحفظ بلدنا وأهلنا من كل سوء , اللهم اجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين,وأن يسبغ علينا نعمة الأمن والأمان اللهم آمين.
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ عبدالعزيز رجب
Zeka2040@yahoo.com
المصادر والمراجع:
(1) رواه أبو يعلى الموصلي وعنه ابن حبان في صحيحه
(2)أنظر:المواعظ والاعتبار-المقريزي(1/372 وما بعدها)
(3) رواه النسائى
(4) أخرجه: مسلم
(5) أخرجه: الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في دلائل النبوة.
(6) أخرجه مسلم ، أحمد
(7) معجم البلدان للحموي(11/229)
( أخرجه:أحمد ، والطبرانى.