- وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا قالَتْ: كَانَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ - أي: العَشْرُ الأخيرُ مِن رَمضانَ - شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ وأَيْقَظَ أَهْلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
*مُفرداتُ الحديثِ:
-مِئْزَرَهُ: -بكسْرِ الميمِ وسُكونِ الهمْزِ- هو الإزارُ، ويقالُ: شَدَّ للأمْرِ مِئْزَرَه: تَهَيَّأَ له وتَشَمَّرَ، وهو كِنايةٌ عن الْجِدِّ والتشميرِ في العِبادةِ.
وعن الثوريِّ: أنه مِن أَلْطَفِ الكناياتِ عن اعتزالِ النساءِ.
وقالَ بعضُهم: هو كِنايةٌ عن التشميرِ للعِبادةِ، واعتزالِ النساءِ معاً، ولكن قد تَقَرَّرَ عندَ عُلماءِ البيانِ أنَّ الكِنايةَ لا تُنَافِي إرادةَ الحقيقةِ، فلا يَبْعُدُ أنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قد شَدَّ مِئْزَرَه ظاهراً، وتَفَرَّغَ للعِبادةِ، واشتَغَلَ بها عن غيرِها.
-وأَحْيَا لَيْلَه: يُحْمَلُ على أحَدِ وَجهينِ:
أحَدُهما: راجِعٌ إلى العابِدِ، فاشتغالُه بالعبادةِ عن النومِ الذي هو بِمَنْزِلَةِ الموتِ إحياءً لنفْسِه.
والثاني: أنه راجِعٌ إلى نَفْسِ الليلِ، فإنَّ ليلهَ لَمَّا صارَ بِمَنْزِلَةِ نَهارِه في القيامِ فيه، كأنه أحياهُ بالطاعةِ والعِبادةِ.
*ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- الليالي العَشْرُ الأخيرةُ مِن شهْرِ رمضانَ هي أفْضَلُ ليالِي العامِ كلِّه؛ لِمَا خُصَّتْ به مِن الْمَزايا العظيمةِ، والفضائِلِ الْجَسيمةِ، التي أَهَمُّها ليلةُ القَدْرِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: الليالِي العشْرُ الأواخِرُ مِن رمضانَ أفْضَلُ مِن ليالِي ذي الْحِجَّةِ، فهي الليالِي التي كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُحْيِيهَا كُلَّها، وفيها ليلةُ القَدْرِ خيرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ.
2- كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِن شِدَّةِ اهتمامِه بهذه الليالِي المبارَكَةِ، يَعتكِفُ في المسجِدِ، ويَعتزلُ الناسَ، ويَعتزِلُ نِساءَه، تَفَرُّغاً للعبادةِ، وإقبالاً على اللهِ.
3- الحديثُ دليلٌ على شِدَّةِ الإقبالِ على الطاعةِ في تلك العشْرِ، والانصرافِ عن كلِّ ما يَقْطَعُ العلاقةَ باللهِ تعالى.
4- قولُه: "إذا دَخَلَ العشْرُ، شَدَّ مِئْزَرَهُ" دليلٌ على الاهتمامِ، والإقبالِ على العِبادةِ.
واختلَفَ العلماءُ في تفسيرِ "شَدِّ الْمِئْزَرِ" على قَوْلَيْنِ:
أحَدُهما: أنَّ هذا كنايةٌ عن التشميرِ للعبادةِ، والإقبالِ عليها، والْجِدِّ فيها.
الثاني: أنَّ هذا كنايةٌ عن اعتزالِ النساءِ في هذه العَشْرِ، ويَبْعُدُ المعنى الأخيرُ: ما رُوِيَ عن علِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عنه- بلَفْظِ ((فَشُدَّ مِئْزَرَكَ، وَاعْتَزِلِ النِّسَاءَ))، فإنَّ العَطْفَ يَقتضِي المغايَرَةَ، فهذا غيرُ هذا.
5- قولُه: "وأَيْقَظَ أَهْلَه" أيْ: للصلاةِ والعِبادةِ؛ لئلا تَفُوتَهم فضيلةُ هذه المواسِمِ المبارَكاتِ، وهذا مِن كمالِ نُصْحِه لهم، فيَنبغِي لقَيِّمِ البيتِ أنْ يُنَشِّطَ أهْلَه، ويُرَغِّبَهم في العِبادةِ، لاسيما في المواسِمِ الفاضِلَةِ.
6- العشْرُ الأخيرُ: هي خَاتِمَةُ الشهْرِ، والأعمالُ إنما تكونُ بالخواتيمِ، ولعلَّ هذا مِن أسرارِ الْجِدِّ والاجتهادِ فيها.
*خِلاَفُ العُلماءِ:
قالَ العَيْنِيُّ ما خُلاصتُه: المشهورُ مِن مَذاهِبِ العُلماءِ في هذا الحديثِ وشَبَهِهِ كحديثِ غُفرانِ الخطايا بالوضوءِ، وبصومِ يومِ عَرفةَ، ويومِ عاشوراءَ -أنَّ المرادَ به: الصغائرُ فقط؛ كما في حديثِ الوضوءِ ما لم تُؤْتَ كبيرةٌ.
قالَ النوويُّ: في التخصيصِ نَظَرٌ، لكنْ أَجْمَعُوا على أنَّ الكبائرَ لا تَسْقُطُ إلاَّ بالتوبةِ أو بالْحَدِّ.
*فائدةٌ:
نُلَخِّصُ خصائصَ هذه العشرةِ المبارَكَاتِ بهذه الفِقراتِ بدونِ أدِلَّتِها، فهي مَعروفةٌ وقريبةٌ، وللهِ الحمْدُ.
أولاً: كان -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَجْتَهِدُ فيها بالعمَلِ أكْثَرَ مِن غَيْرِها، والاجتهادُ فيها لا يَخْتَصُّ بعبادةٍ خاصَّةٍ، بل يَشْمَلُ الاجتهادَ في جميعِ أنواعِ العِبادةِ، مِن صلاةٍ، وتلاوةٍ، وذِكْرٍ، وصَدقةٍ، وغيرِها.
ثانياً: كان -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُوقِظُ فيها أهْلَه للصلاةِ والذكْرِ؛ حِرْصاً على اغتنامِ هذه المواسِمِ الطَّيِّبَاتِ، فإنها غَنيمةٌ، لا يَنبغِي للمؤمنِ العاقِلِ أنْ يُفَوِّتَها ويُهْمِلَها فتَذْهَبَ عليه سُدًى.
ثالثاً: كانَ يَعتكِفُ في هذه العَشْرِ؛ ليتَمَتَّعَ بهذه الْخَلوةِ باللهِ تعالى، ويَسعدَ بلذيذِ مُناجاتِه، ويَبتعِدَ عن كلِّ ما يَشْغَلُه، ويَقْطَعُه عن هذه الْخَلوةِ برَبِّه تعالى.
رابعاً: أَرْجَى ما تكونُ ليلةُ القَدْرِ في هذه العشرةِ المبارَكاتِ، لذا كان لَيْلُها أفضَلَ ليالِي العامِ، فيَنبغِي تَلَمُّسُها في هذه الليالِي، عسى أن يُوَفَّقَ لها المؤمِنُ، فيَحْصُلُ له الخيرُ الوفيرُ، فهي ليلةٌ مبارَكَةٌ، وهي خيرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ.
والقَصْدُ أنَّ هذه الليالي الْمُباركاتِ التي هي الْخِتامُ الْمِسْكُ لصومِ الشهْرِ، ليالٍ عَظيمةٌ، وفوائدُها وعوائدُها جسيمةٌ، ولا يُفَرِّطُ فيها إلاَّ المحرومُ مِن الخيرِ، ممن سَفِهَ نفْسَه، وأكبَرُ مِن ذلك أنْ يَقْضِيَها بالمجالِسِ الْمُحَرَّمَةِ والاجتماعاتِ الآثِمَةِ، نَسألُ اللهَ تعالى السلامةَ.
*مُفرداتُ الحديثِ:
-مِئْزَرَهُ: -بكسْرِ الميمِ وسُكونِ الهمْزِ- هو الإزارُ، ويقالُ: شَدَّ للأمْرِ مِئْزَرَه: تَهَيَّأَ له وتَشَمَّرَ، وهو كِنايةٌ عن الْجِدِّ والتشميرِ في العِبادةِ.
وعن الثوريِّ: أنه مِن أَلْطَفِ الكناياتِ عن اعتزالِ النساءِ.
وقالَ بعضُهم: هو كِنايةٌ عن التشميرِ للعِبادةِ، واعتزالِ النساءِ معاً، ولكن قد تَقَرَّرَ عندَ عُلماءِ البيانِ أنَّ الكِنايةَ لا تُنَافِي إرادةَ الحقيقةِ، فلا يَبْعُدُ أنه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قد شَدَّ مِئْزَرَه ظاهراً، وتَفَرَّغَ للعِبادةِ، واشتَغَلَ بها عن غيرِها.
-وأَحْيَا لَيْلَه: يُحْمَلُ على أحَدِ وَجهينِ:
أحَدُهما: راجِعٌ إلى العابِدِ، فاشتغالُه بالعبادةِ عن النومِ الذي هو بِمَنْزِلَةِ الموتِ إحياءً لنفْسِه.
والثاني: أنه راجِعٌ إلى نَفْسِ الليلِ، فإنَّ ليلهَ لَمَّا صارَ بِمَنْزِلَةِ نَهارِه في القيامِ فيه، كأنه أحياهُ بالطاعةِ والعِبادةِ.
*ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- الليالي العَشْرُ الأخيرةُ مِن شهْرِ رمضانَ هي أفْضَلُ ليالِي العامِ كلِّه؛ لِمَا خُصَّتْ به مِن الْمَزايا العظيمةِ، والفضائِلِ الْجَسيمةِ، التي أَهَمُّها ليلةُ القَدْرِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: الليالِي العشْرُ الأواخِرُ مِن رمضانَ أفْضَلُ مِن ليالِي ذي الْحِجَّةِ، فهي الليالِي التي كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُحْيِيهَا كُلَّها، وفيها ليلةُ القَدْرِ خيرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ.
2- كان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِن شِدَّةِ اهتمامِه بهذه الليالِي المبارَكَةِ، يَعتكِفُ في المسجِدِ، ويَعتزلُ الناسَ، ويَعتزِلُ نِساءَه، تَفَرُّغاً للعبادةِ، وإقبالاً على اللهِ.
3- الحديثُ دليلٌ على شِدَّةِ الإقبالِ على الطاعةِ في تلك العشْرِ، والانصرافِ عن كلِّ ما يَقْطَعُ العلاقةَ باللهِ تعالى.
4- قولُه: "إذا دَخَلَ العشْرُ، شَدَّ مِئْزَرَهُ" دليلٌ على الاهتمامِ، والإقبالِ على العِبادةِ.
واختلَفَ العلماءُ في تفسيرِ "شَدِّ الْمِئْزَرِ" على قَوْلَيْنِ:
أحَدُهما: أنَّ هذا كنايةٌ عن التشميرِ للعبادةِ، والإقبالِ عليها، والْجِدِّ فيها.
الثاني: أنَّ هذا كنايةٌ عن اعتزالِ النساءِ في هذه العَشْرِ، ويَبْعُدُ المعنى الأخيرُ: ما رُوِيَ عن علِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عنه- بلَفْظِ ((فَشُدَّ مِئْزَرَكَ، وَاعْتَزِلِ النِّسَاءَ))، فإنَّ العَطْفَ يَقتضِي المغايَرَةَ، فهذا غيرُ هذا.
5- قولُه: "وأَيْقَظَ أَهْلَه" أيْ: للصلاةِ والعِبادةِ؛ لئلا تَفُوتَهم فضيلةُ هذه المواسِمِ المبارَكاتِ، وهذا مِن كمالِ نُصْحِه لهم، فيَنبغِي لقَيِّمِ البيتِ أنْ يُنَشِّطَ أهْلَه، ويُرَغِّبَهم في العِبادةِ، لاسيما في المواسِمِ الفاضِلَةِ.
6- العشْرُ الأخيرُ: هي خَاتِمَةُ الشهْرِ، والأعمالُ إنما تكونُ بالخواتيمِ، ولعلَّ هذا مِن أسرارِ الْجِدِّ والاجتهادِ فيها.
*خِلاَفُ العُلماءِ:
قالَ العَيْنِيُّ ما خُلاصتُه: المشهورُ مِن مَذاهِبِ العُلماءِ في هذا الحديثِ وشَبَهِهِ كحديثِ غُفرانِ الخطايا بالوضوءِ، وبصومِ يومِ عَرفةَ، ويومِ عاشوراءَ -أنَّ المرادَ به: الصغائرُ فقط؛ كما في حديثِ الوضوءِ ما لم تُؤْتَ كبيرةٌ.
قالَ النوويُّ: في التخصيصِ نَظَرٌ، لكنْ أَجْمَعُوا على أنَّ الكبائرَ لا تَسْقُطُ إلاَّ بالتوبةِ أو بالْحَدِّ.
*فائدةٌ:
نُلَخِّصُ خصائصَ هذه العشرةِ المبارَكَاتِ بهذه الفِقراتِ بدونِ أدِلَّتِها، فهي مَعروفةٌ وقريبةٌ، وللهِ الحمْدُ.
أولاً: كان -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَجْتَهِدُ فيها بالعمَلِ أكْثَرَ مِن غَيْرِها، والاجتهادُ فيها لا يَخْتَصُّ بعبادةٍ خاصَّةٍ، بل يَشْمَلُ الاجتهادَ في جميعِ أنواعِ العِبادةِ، مِن صلاةٍ، وتلاوةٍ، وذِكْرٍ، وصَدقةٍ، وغيرِها.
ثانياً: كان -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يُوقِظُ فيها أهْلَه للصلاةِ والذكْرِ؛ حِرْصاً على اغتنامِ هذه المواسِمِ الطَّيِّبَاتِ، فإنها غَنيمةٌ، لا يَنبغِي للمؤمنِ العاقِلِ أنْ يُفَوِّتَها ويُهْمِلَها فتَذْهَبَ عليه سُدًى.
ثالثاً: كانَ يَعتكِفُ في هذه العَشْرِ؛ ليتَمَتَّعَ بهذه الْخَلوةِ باللهِ تعالى، ويَسعدَ بلذيذِ مُناجاتِه، ويَبتعِدَ عن كلِّ ما يَشْغَلُه، ويَقْطَعُه عن هذه الْخَلوةِ برَبِّه تعالى.
رابعاً: أَرْجَى ما تكونُ ليلةُ القَدْرِ في هذه العشرةِ المبارَكاتِ، لذا كان لَيْلُها أفضَلَ ليالِي العامِ، فيَنبغِي تَلَمُّسُها في هذه الليالِي، عسى أن يُوَفَّقَ لها المؤمِنُ، فيَحْصُلُ له الخيرُ الوفيرُ، فهي ليلةٌ مبارَكَةٌ، وهي خيرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ.
والقَصْدُ أنَّ هذه الليالي الْمُباركاتِ التي هي الْخِتامُ الْمِسْكُ لصومِ الشهْرِ، ليالٍ عَظيمةٌ، وفوائدُها وعوائدُها جسيمةٌ، ولا يُفَرِّطُ فيها إلاَّ المحرومُ مِن الخيرِ، ممن سَفِهَ نفْسَه، وأكبَرُ مِن ذلك أنْ يَقْضِيَها بالمجالِسِ الْمُحَرَّمَةِ والاجتماعاتِ الآثِمَةِ، نَسألُ اللهَ تعالى السلامةَ.