بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس السابع من دروس تربية الأولاد في الإسلام ، ولازلنا في التربية الاجتماعية .
الأب البطل يعزو أخطاء أولاده إليه :
نتحدث عن الكذب كظاهرة اجتماعية خطيرة جداً في الأسرة ، وكذلك السرقة ، التي تدعو الطفل إلى أن يأخذ من أبيه وأمه دون أن يستأذنهم .
، هناك كلام لا يليق بشاب يعتني أبواه به ، كلام بذيء ، كلمات ساقطة ، كلمات سوقية ، كلمات فيها لفظ العوارت ، كلمات فيها سُباب ، كلمات فيها لعن ، هذه الظاهرة ، ظاهرة الكلام البذيء ، الكلام الفاحش ، الكلام النابي ، الكلام الذي يجرح المشاعر .
بادئ ذي بدء : انطلاقاً من مقدمة ذكرتها لكم كثيراً ، أن الأب البطل يعزو أخطاء أولاده إليه ، والأم كذلك ، الكلام البذيء ، والكلام الساقط ، والكلام الفاحش ، يعود إلى جو الأسرة ، وجو الطريق ، وجو المدرسة .
تصور بيتاً الأب منضبط ، لا يوجد كلمة لا تليق ، لا يوجد كلمة فاحشة ، العورات لا تذكر إطلاقاً ، الطُرف الساقطة لا تذكر إطلاقاً ، ما دام هذا الابن نشأ في بيت منضبط ، منضبط بالكلام ، منضبط بالتعبير ، أنى لهذا الطفل أن يتلفظ كلمات بذيئة ؟.
أهم الأسباب التي تدعو الطفل إلى أن يتكلم كلاماً بذيئاً :
جو البيت :
أيها الأخوة الكرام ، الحقيقة الأولى أن السبب هو جو البيت ، أب غضوب في ساعات الغضب يسب الدين أحياناً ، فالطفل يستمع إلى أب يسب الدين ، فإذا غضب يقلد أباه من السبب ؟ الأب ، في ساعة المزاح الرخيص يسمي العورة باسمها ، يستمع الطفل إلى حديث أبيه مع أصدقائه ، فإذا أراد أن يقلد أباه استخدم العبارات نفسها .
أقول لكم بمنتهى الصراحة : البيت المنضبط في الأعم الأغلب أن الأولاد ينضبط لسانهم ، وجزء كبير من الأخلاق ضبط اللسان ، يا رسول الله وهل نؤاخذ بما نقول ؟ فقال عليه الصلاة والسلام لسيدنا معاذ :
(( ثكلتك أمك ! وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ؟ )) .
[أخرجه الطبراني عن معاذ بن جبل ] .
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه )) .
[أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ] .
والله الذي لا إله إلا هو أعرف أشخاصاُ لو تعاشرهم خمسين عاماً لا يمكن أن يصدر منهم كلمة بذيئة واحدة ، ولا فاحشة ، هذا الذي نتمناه أن يكون واضحاً لدى الأخوة الآباء والأمهات والمعلمين .
ينبغي علينا دائماً أن تستخدم العبارات المهذبة جداً :
أيها الأخوة ، لو دخلنا في التفاصيل ، دخل النبي عليه الصلاة والسلام على ابنته فاطمة ، وكانت مريضة ، حمى أصابتها ، فقال لها : ما لك يا بنيتي ؟ قالت : حمى لعنها الله قال : لا تلعنيها ، فو الذي نفس محمد بيده لا تدع مؤمن وعليه من ذنب .
لا تعود نفسك تلعن أمام أولادك ، الله يلعن الساعة التي عرفته فيها ، هذه لعن الساعة ، و لعن الأشخاص ، ولعن الأولاد ، عود نفسك ألا تلعن .
(( ليس المؤمن بطعَّان ولا لعَّان ، ولا فاحش ولا بذيء )) .
[أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود ] .
كلامه ما فيه لعن ، لا تلعنيها ، فو الذي نفس محمد بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب ، عود نفسك ألا تلعن شيئاً ، في عبارات مهذبة ، أين فلان ؟ في الحمام ، يجدد وضوءه وفي عبارات أخرى ، يقوم في البيت بثيابه الداخلية ، الثياب الداخلية مهذبة ، كلمة مهذبة ، وفي كلمات أخرى لا تليق .
إذاً ينبغي أن تستخدم العبارات المهذبة جداً حتى في الأماكن التي لا يصح أن نذكر اسمها بالتفصيل .
على المؤمن ألا يستخدم كلمات تثير الشهوة :
شيء آخر : لا يستخدم النبي كلمة تثير الشهوة ، أسماء دخلت عليه بثياب رقيقة فقال : يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك ، كلمة عظم لا تثير الشهوة إطلاقاً ، أي كلمة أخرى ممكن أن تثير الشهوة ، يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك فقط .
( سورة النساء الآية : 43 ) .
هل من كلمة لطيفة معبرة دون أن تثير خيال طفل صغير ؟ ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ .
( سورة النساء الآية : 43 ) .
﴿ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ مفهومة ، لكن الصغار لا يفهمون منها شيئاً ، هذا قرآن .
( سورة الأعراف الآية 189 ) .
كلمة ﴿ تَغَشَّاهَا ﴾ ، أو ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ .
( سورة المؤمنون ) .
كل أنواع الشذوذ ، والكلمات التي يذكرها معظم الناس بألفاظها القبيحة ، دخلت بكلمة ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾ .
( سورة المؤمنون ) .
امرأة تشكو زوجها (دقق في تهذيبها) ، قالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي صوام قوام ، في النهار صائم ، وفي الليل قائم ، سيدنا عمر يبدو كان منشغلاً قام قال لها : بارك الله لكِ بزوجك ، قال له سيدنا علي : إنها تشكو زوجها ، إنها لا تمدحه ، تشكو زوجها ، انظر إن زوجي صوام قوام ، لا ينام معي مثلاً ، إن زوجي صوام قوام .
إذا كانت الكلمات التي تلقى في البيت منتقاة فالطفل لا يتعلم إلا الأدب :
أيها الأخوة ، إحدى زوجات الصحابة دخلت على السيدة عائشة بثياب رثة ، فلما سألتها عن حالها ، قالت : إن زوجي صوام قوام ، موضوع ثانٍ ، فالنبي استدعى زوجها وأمره أن يعطيها حقها ، إن لزوجك عليك حقاً ، في اليوم التالي جاءت هذه المرأة ، ودخلت على السيدة عائشة ، الكلمتين الدقيقتين عطرة نضرة ، في نضارة ، وفي عطر ، قالت لها : ما الذي حصل ؟ استمعوا إلى أدب الصحابيات ، قالت : أصابنا ما أصاب الناس .
والله يمكن أن نتعلم من أقوال الصحابة الذين عاشوا قبل ألف و أربعمئة عام أعلى درجات الأدب الرفيع ، تكلموا عن كل شيء ، لكن بألفاظ لطيفة ، بكنايات لطيفة ، مؤدبة ، فإذا أنت كنت كأب ، وأنت أيتها الأم كل الكلمات التي تلقى في البيت منتقاة ، بأعلى درجات الأدب ، أغلب الظن الفتاة الصغيرة ، والابن الصغير لا يتعلم إلا الأدب .
أنا أقول لكم كلمة : مستوى الأب والأم لا في الشهادات التي يحملها بل مستواه في تربية أولاده ، أحياناً تجد طفلاً يلفت النظر .
أنا قبل مرحلة ليست بالبعيدة كنت أوزع عقب خطبة الجمعة لكل طفل أتى مع أبيه قطعة حلوى ، تشجيعاً له ، لكن من خلال هذا التوزيع وجدت الأطفال أصناف ، بعض هؤلاء الصغار يتأبى أن يأخذ هذه الحلوى ، عنده تأبي ، أو عنده اعتزاز ، لا شكراً ، أنا أجهد أن أعطيه هذه القطعة ، أطلب من أبيه أن يعينني على إقناعه بأخذها ، معناها تربى تربية عالية جداً في البيت ، شيء جميل ، طفل آخر يأخذها مني بسهولة ، لكنه يشكرني عليها شكراً أستاذ ، هذا نموذج ثانس ، طفل ثالث قبل خمسة أمتار عينه على القطعة ، لا ينظر لا إليّ ولا إلى أحد ، إلى أن يأخذها ويمشي ، هذا الثالث ، في قسم رابع يأتي مرتين ثالثة ، أما في قسم خامس أعاذنا الله من هؤلاء ، أطول مني بكثير لكن ما في شيء ، أين القطعة التي تخصني ؟ أما أول قسم يلفت النظر ، أدب ، وعفة ، وتأبي ، وقد يشتهيها مثل الآخرين ، لكنه تربى تربية عفيفة .
من أراد محاورة إنسان ينبغي أن ينزل إلى مستواه و ألا يميز نفسه عليه بكلمة :
إخوانا الكرام ، من أقوال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( سِبابُ المسلم فُسُوق ، وقِتاله كُفْر )) .
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن مسعود ] .
أي ممكن أن تتحاور مع إنسان عشر ساعات ، وما تسمعه كلمة قاسية ، لا تفهم ، لا هذه الكلمة قاسية ، أرى خلاف ما ترى ، أنا لي رأي آخر ، ومعي له دليل ، يمكن أن تحاور أخاك حواراً طويلاً دون أن تجرحه ، أي أنت ممكن أن تحاور إنساناً عشر ساعات وتستخدم الكلام المهذب ، أرى بخلاف ذلك ، ومعي دليل ، ولعلك توهمت الحقيقة كذا ، أما لا تفهم ، لا يصح .
تعلموا من الإمام الشافعي ، حينما قال : أنا على حق ، وقد أكون مخطئاً والآخر على الباطل وقد يكون مصيباً .
ألا تريدون منهج النبي في ذلك ؟ الذي علمه القرآن قال :
( سورة سبأ الآية : 24 ) .
يعني أنت حينما تحاور إنساناً إياك أن توهمه أنك أنت وحدك العالم و هو جاهل ينبغي أن تنزل إلى مستواه ، و ألا تميز نفسك عليه بكلمة ، ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى ﴾ .
( سورة سبأ الآية : 24 ) .
يعني الحق كرة ، قد تكون عندي ، وقد تكون عندك ، سوف نتحاور ، أما أنا الذي أعرف ، أنت لا تعرف .
قال شخص تركي ، أحب أن يفسر القرآن ، قال :
( سورة الذاريات ) .
قال : السماء كل ما علاك فهو سماء ، هذا نعرفه نحن وأنتم ، أما ﴿ ذَاتِ ﴾ هذا شيء نعرفه نحن أما أنتم لا تعرفونه ، هذه ﴿ ذَاتِ ﴾ ، قال أما ﴿ الْحُبُكِ ﴾ هذا شيء لا نعرفه لا نحن ولا أنتم ، لا نحن العلماء فكيف أنتم الجهلاء ؟ .
على كل إنسان أن يكون في مستوى من يحاور :
هناك توجيهات قاسية جداً ، هناك تقييمات باطلة ، هناك استعلاء ، عود نفسك أن تجعل نفسك في مستوى مَنْ تُحاور ، قال تعالى :
( سورة النحل الآية : 125 ) .
أي إذا كان هناك ألف عبارة حسنة ينبغي أن تختار من كل هذه العبارات ما هو أحسن .
( سورة النحل الآية : 125 ) .
أما في المجادلة ﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ ، المجادلة في خصومة ، الأفكار مرتبطة بكرامة الإنسان فحاول أن تكون قرآنياً في هذا التوجيه ، ﴿ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ .
في آية أخرى :
( سورة سبأ ) .
ما قولكم ؟ ﴿ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا ﴾ ، هل دعوة النبي جريمة ؟ ﴿ وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ ، الآية الأولى بمستوى واحد ، أما الثانية فيها تواضع بالغ ، هذا منهج القرآن في حوار الطرف الآخر ، أما الاستعلاء والسُباب ، والاتهام ، والكلمات القاسية ، هذه تثير فتناً لا تنتهي .
الإنسان كلما تواضع رفعه الله وكلما تكبر وضعه الله عز وجل :
ألا تحبون أن تروا أدب القرآن الكريم ؟ سيدنا يوسف حينما قال :
( سورة يوسف الآية : 100 ) .
أين كان ؟ كان في الجب ، وكان في السجن ، أيهما أكثر خطراً ؟ الجب ، الجب احتمال موته كبير جداً ، أما السجن الحياة مضمونة ، فقد حريته فقط ، قال :
( سورة يوسف الآية : 100 ) .
لمَ لم يقل من الجب ؟ لأنه إذا قال من الجب ذكّر إخوته بعملهم السيئ ، أراد أن يتجاوز عن أعمالهم ، قال : ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ ، ما قال من بعد ما تآمروا على قتلي ، قال :
( سورة يوسف الآية : 100 ) .
يعني جعلهم بريئين ، أما الذي أوقع بينه وبينهم الشيطان ، والحقيقة ليست كذلك لكن تعلموا أدب الحوار ، كلما الإنسان ارتقى تجد كلامه مهذباً جداً .
مرة أحد علماء مصر الكبار توفي رحمه الله ، سافر إلى بريطانيا لإجراء عملية في عينيه ، فجاءت رسائل بعشرات الألوف ، شيء يلفت النظر ، إذاعة لندن أجرت معه حواراً أنا سمعته ، سُئل عن هذه المكانة التي حباه الله بها ، فسكت ، اعتذر ، ضيع السؤال فلما ألح المذيع عليه ، قال : لأنني محسوب على الله ، عبارة مهذبة جداً ، أنا عالم ، لا هذه ثقيلة ، أنا طالب علم مهذبة ، طالب علم ، الإنسان كلما تواضع رفعه الله ، وكلما تكبر وضعه الله عز وجل .
فسيدنا يوسف كان في أعلى درجات اللطف مع إخوته ، ﴿ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ .
المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده :
(( إن من أكبر الكبائر، أن يلعن الرجل والديه )) .
[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] .
قَلّ ما تجد إنساناً يلعن والديه ، أما حينما تسيء إلى الناس تسبب لعن والديك لذلك من أدق الأحاديث الأخلاقية :
(( المسلمُ من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده )) .
[أخرجه الترمذي والنسائي عن أبي هريرة ] .
يعني سلمت سمعة المسلمين من لسانه ويده .
العاقل من فكّر في كل كلمة قبل أن يتكلم بها :
إخوانا الكرام ، هناك أحاديث تقصم الظهر .
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً )) .
[ الترمذي عن أبي هريرة ]
يعني أخ زار أخته بالعيد ، الأخت تحب زوجها ، وراضية عنه ، ومن أسعد الزوجات بزوجها ، البيت صغير ، ما هذا البيت ! لمَ تقول هذا ؟ هي راضية ، لمَ تثير حفيظتها ؟ تألمت ، انتبهت ، البيت صغير جداً ، أخواتها في بيوت أكبر بكثير ، فلما دخل زوجها إلى البيت كانت عابسة فسألها عن عبوسها سكتت فغضب وقعت مشكلة كبيرة ، قد تنتهي بالطلاق أحياناً ، هذا الذي تكلم بهذه الكلمة (( لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً )) .
أنا أقول لكم أبلغ ، لو ذكرت امرأة أمامك .
(( إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة )) .
[أخرجه الطبراني والبزار عن حذيفة بن اليمان ] .
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً )) .
[ الترمذي عن أبي هريرة ]
بالجلسات ، بالسهرات ، يشرح الناس في هذه السهرة ، فلانة ليست جميلة ، مثلاً توصف بأردأ أوصافها ، فالسيدة عائشة قالت عن أختها صفية : إنها قصيرة ، قال : يا عائشة لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ، ما قولكم ؟ لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته .
الأب الصالح والأم الصالحة حديثهما يدور دائماً حول الكمال والأخلاق والدين :
إخوانا الكرام ، يكون بالبيت عدة فتيات ، فتاة لها شكل معين ، فتاة لها شكل أقل من شكل أخوتها ، الحديث المستمر عن فلانة بارعة الجمال ، وفلانة ليست جميلة إطلاقاً هذا الحديث إذا زاد عن حدّه في البيت يصبح مقياس الفتاة جمال فقط ، فالتي هي أقل من أختها تصاب بعقدة نفسية ، أما الأب الصالح ، والأم الصالحة ما في حديث إلا على الكمال والأخلاق والدين ، والصلة بالله ، والموقف الحكيم ، الحديث الذي يُلقى في البيت حديث أساسه مكارم الأخلاق .
أنا أروي لكم نصاً عن أحد التابعين اسمه الأحنف بن قيس ، كان قصير القامة أسمر اللون ، مائل الذقن ، أحنف الرجل ، ناتئ الوجنتين ، غائر العينين ، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيد قومه ، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيما غضب ، وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه .
يعني في البيت الحديث عن البطولة ، عن الاجتهاد ، عن التحصيل ، عن الأدب عن أداء الصلوات ، عن قيام الليل ، عن القرآن ، إذا الحديث هكذا في بنات بأشكال متنوعة كلهم يلتفون حول أمهم وأبيهم ، إذا الحديث عن الجمال فقط ، والتي أقل جمالاً من أختها يصبح عندها عقدة كبيرة جداً ، الأب ينتبه .
التساوي في العدل والمودة بين جميع الأولاد :
صدقوا أيها الأخوة ، بكل بيت هناك أولاد ، وقد يكون ابن أذكى من ابن ، وقد يكون ابن له وجه صبوح أكثر من أخيه ، الأب المؤمن ، والأم المؤمنة ، لا تميز ولا في النظرات ، نظرة بنظرة ، قبلة بقبلة ، احتضان باحتضان ، ما وجد الابن الأقل جمالاً أي معاملة أقل من أخيه ، فنحن أعناه على أن ينتصر على نفسه ، أما إذا في تفرقة ، الأول يُبتسم له في وجهه ، والثاني في عبوس ، مع مرور الأيام تنشأ عقدة تنفسية .
أنا مصر إلى آخر سلسلة من هذه الدروس أن أخطاء الأولاد ، وعقد الأولاد ، وتقصير الأولاد ، وانحراف الأولاد ، وأمراض الأولاد ، من أخطاء الآباء ، والأبوة مسؤولية وبإمكانك أن تكون أباً وأمامك أولاد يتفانون في طاعتك .
قال : اشهد يا رسول الله أنني نحلت ابني حديقة ، فسأله : ألك ابن غيره ؟ قال : نعم ، هل نحلته كما نحلت هذا ؟ قال له : لا ، قال : أشهد غيري فإني لا أشهد على جور .
العدل ، والمودة ، يجب أن تكون المودة لكل الأولاد بالتساوي ، الابتسامة أحياناً تُقبل ابناً وتنسى الثاني ، يتحطم الثاني ، أحياناً تحمل ابناً و تنسى الثاني ، أحياناً تبتسم في وجه ابن وتنسى الثاني ، هذا الذي ينتبه لهذه النقاط الدقيقة يكون موفقاً توفيقاً كبيراً .
على كل معلم أن يغير أسماء طلابه في العام الدراسي إن أثار هذا الاسم ضحكاً :
لي كلمة خاصة بالمعلمين : أحياناً يكون هناك اسم يثير الضحك ، بعض المعلمين ينادون مثل هؤلاء الطلاب بألقابهم ، لا بأسمائهم ، هناك أسماء غير جميلة .
أحد الصحابة دخل على النبي الكريم ، قال له : ما اسمك ؟ قال له : زيد الخيل قال له : بل أنت زيد الخير .
أعرف معلمين كثيرين ، يغيرون أسماء طلابهم بالعام الدراسي فقط ، في كلمات في كثير من البيوت لها أسماء غير مقبولة ، فأنت كمعلم غيّر هذه الأسماء إلى أسماء أخرى أو اكتفِ بالاسم الأول ، أو بالاسم الثاني .
فالنبي من شمائله أنه كان يغير أسماء صحابته ، ما اسمك ؟ قالت له : عاصية قال لها : بل طائعة ، أنت طائعة .
من عدّ كلامه من عمله فقد نجا :
أيها الأخوة ، حينما تعد كلامك من عملك تنجو ، ما دام :
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جنهم سبعين خريفاً ))
[ الترمذي عن أبي هريرة ].
ينبغي أن تعد كلامك من عملك ، كلمة واحدة ، أحياناً يقول معلم لطالب أنت غبي بساعة غضب ، لكن هذه الكلمة سمعها الطفل ، قد تستمر معه عشر سنوات ، قد تضعف معنوياته ، قد تنشا عنده عقدة نفسية ، خطأ ، عود نفسك الكلام الجيد ، المنضبط ، وكلما ارتقى مستوى الكلام في البيت ارتقى مستوى الأولاد ، فإذا حرصت أن يكون رفقاء أولادك من المستوى الراقي المهذب ، وإذا ضمنت مدرسة لا يستمع بها الطفل إلى كلام بذيء تكون قد حققت نجاحاً كبيراً في تربية أولادك .
(( من هوي الكفر فهو مع الكفرة ، ولا ينفعه علمه شيئاً )) .
[أخرجه الطبراني عن جابر بن عبد الله ] .
هناك تعليقات لاذعة ، هناك حوار مكشوف ، هناك أدب رخيص ، هذا الأدب الرخيص والحوار المكشوف ، والتعبيرات اللاذعة ، وهناك طرف جنسية ، أنا والله لا أصدق أن بيتاً مؤمناً فيه طرفة جنسية إطلاقاً ، هذه الطرف الجنسية ليست للمؤمنين ، للمتفلتين ، للشاردين عن الله عز وجل ، حتى لو سمعت طرفة من هذا النوع ينبغي ألا تضحك ، إنك حينما لا تضحك تلقن من ألقى هذه الطرفة درساً لا ينسى .
والله مرة كنت بجلسة أي جلسة عمل ، أحد الحاضرين تكلم بكلمة سيئة جداً الكل ضحكوا ، أنا لم أضحك ، بل أخذت موقفاً ، فلما انتهى الاجتماع تبعني الذي ألقى الكلمة قال لي : أي خدمة ؟ قلت : شكراً ، لكن أنا لقنته درساً بهذه الطريقة ، إذا طرفة جنسية وضحكت ، معنى ذلك قبلتها .
الكلمات التي ينطق بها الابن هي انعكاس لما يقوله الأب :
ابنك لك ، تربيه تربية عالية على الكلام المهذب ، على الكلام المؤدب ، على الكلام الجاد ، على اختيار الكلمة اللطيفة ، اقرأ القرآن ، ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ ، اقرأ القرآن ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾ اقرأ القرآن ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ ، اقرأ السنة ، يا بنيتي إن هذه الثياب تصف حجم عظامك ، ممكن تتكلم كلمات لكن كلها مهذبة ، ولا تجرح شعور الإنسان .
الدرس الثالث في التربية الاجتماعية الكلمات التي ينطق بها الابن ، هي انعكاس لما يقوله الأب ، أي بشكل أو بآخر في أوعية توضع في المركبات للماء لها فتحة من الأعلى ولها صنبور من الأسفل ، الذي يوضع في أعلاها يؤخذ من الصنبور ، صح هذا الكلام ؟ الآن كل ابن كائن له وعاء ثقافته من أين ؟ من كلام أولاد الشوارع ، يتكلم كلاماً بذيئاً جداً في البيت ، ثقافته من رفقاء السوء في المدرسة يسمعونه كلمات بذيئة جداً يتكلم بها بالبيت ، إن سمع من أمه أو أبيه كلمات فيها طرف جنسية يرويها لأصدقائه ، فهذا الإنسان كالوعاء الذي يأخذه من أعلاه يعطيه من صنبوره الأسفل ، فلا تنتظر من ابن تغذيه أنت بالشاشة فقط وبمشاهد ليست ترضي الله عز وجل ، وبحوار فيه إشارات جنسية ، لا تنتظر من هذا الطفل أن يكون مهذباً أبداً .
أبرز نقاط التربية الاجتماعية للصغار أن تعلمهم الصدق و الأمانة :
الابن غالٍ ، والابن المربى لا يقدر بثمن ، فلذلك هذا اللقاء الثالث في التربية الاجتماعية متعلق بالكلام ، البيت لا يوجد فيه كذب ، ولا سرقة ، ولا كلام بذيء ، أبرز نقاط التربية الاجتماعية للصغار أن تعلمهم الصدق ، وأن تعلمهم الأمانة ، وأن تعلهم الكلام المنضبط .
(( أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ ، نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ ، يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ ، وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ ، وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا ، الآن الشاهد ، بِصِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ ، وَحُسْنِ الْجِوَارِ ، وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ )) .
[ أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ] .
إذاً أيها الأخوة الكرام ، يجب أن يكون واضحاً في أذهانكم أن الكلام الذي ينطق به الأب والأم ، في اللقاءات ، والسهرات ، والاحتفالات ، وفي الزيارات ، وفي النزهات هذا الكلام إذا كان منضبطاً أعطى الأولاد القدوة في الكلام المنضبط .
والحمد لله رب العالمين
اخوكم/محمد احمد ابوالخير سرحان